الى رحمة الله ايها المناضل الفلسطيني العنيد د.عيسى طبيل
بالم بالغ وحزن شديد تلقيت اليوم نبا وفاة الاخ المناضل الدكتور عيسى طبيل عضو القيادة السياسية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فرحمة الله عليك يا دكتور عيسى والهم اهلك وذويك واصدقائك الصبر والسلوان.
كنا ما زلنا شبابا تتطاير احلامنا في كل اتجاه وقناعتنا بقدرتنا على تغيير الدنيا لا تؤثر فيها الاهوال ولا تهزها الرياح العاتية ، فهي راسخة في اعماق الوجدان وثقتنا بالثورة راسخة عميقة شامخة البنيان.
حملتنا السيارة من الكويت الى بغداد ، حيث استقبلنا الدكتور عيسى طبيل بشقته الكائنة على زاوية اول شارع فرعي من شارع السعدون من جهة التحرير.
وكنا اربعة اصدقاء انا وابو نعيمة وكان مقاتلا في الجبهة الشعبية استشهد في بيروت اثناء في عام 75 والاخ سليم طاهر وكان الاخر مقاتلا ومدربا عسكريا في الجبهة الشعبية انتقل الى رحمة الله في عمان والاخ الكاتب خالد عبد القادر.
وخلال الايام الاربعة التي قضيناها في بغداد ضيوفا عند الدكتور عيسى التقينا بالعديد من الضباط الفلسطينيين الشباب الذين كانوا منخرطين في الجيش العراقي وبعضهم كان في اجازة حيث كان القتال مستعرا مع الاكراد في الشمال.
وكانت الايام الاربعة التي قضيتها في ضيافة الدكتور عيسى بالنسبة لي دورة سياسية وثقافية وتربوية ، وتاصيل للمفاهيم في حب الوطن والانتماء اليه ومعاني التضحية والوفاء والعطاء.
والدكتور عيسى الذي كان يشغل وظيفة مع الجيش العراقي كان مؤمنا بان الدفاع عن العراق كالدفاع عن فلسطين وان الحفاظ على وحدة التراب العراقي وكيانه الوطني امام الاطماع الفارسية التي تدعم التمرد الكردي لا يقل عن الحفاظ على عروبة فلسطين.
في اليوم الخامس ركبنا السيارة متوجهين الى بيروت وكنت انذاك اتنقل بجواز سفر احد اصدقائي اخذته منه سلفة كون جوازي كان محجوزا بأمن الدولة في احدى الدول الصديقة!!، وكادت ان تحدث مشكلة عويصة على الحدود العراقية عندما اكتشف ضابط الجوازات حقيقة الجواز، ولولا تدخل الدكتور عيسى بعد ابراز وثائقه الشخصية، وقال للضابط العراقي "يا اخي هادول شباب رايحين يموتوا في بيروت دفاعا عن الثورة ، فضحك الضابط وختم جواز السفر.
وبعد ان انهينا المعاملات على الحدود السورية وكان الوقت بعد منتصف الليل بقليل ولم يكلف المسؤول نفسه الحمد لله بالتدقيق جيدا بوثائق السفر، وبينما نحن فرحين لعدم تعرضنا لمشكلة والدكتور يتحدث ويقول "المفروض ان يفتحوا الحدود العربية امامنا وان نتنقل بدون وثائق فنحن الذين نصنع مستقبل هذه الامة من المحيط الى الخليج، والاخ خالد يقود السيارة بسرعة كبيرة واذ بحمار (اكرمكم الله) يقطع الطريق فهرب منه خالد بمهارة فائقة وانحرفت السيارة عن الشارع ونزلت الى الاراضي الزراعية واختل توازنها بشدة وكادت ان تنقلب لولا مهارة الاستاذ خالد ولطف الله بنا.
وسيطر علينا الاضطراب والخوف وبعد ان هدأت الانفس واذا بالدكتور عيسى يقول بصوت هاديء رزين "ولو يا اخ خالد عايز تموتنا ما بتعرف انه معك قائد هو واحد من 45 قائد للشعب الفلسطيني". (كان انذاك عضوا باللجنة المركزية للجبهة الشعبية). فضحكنا ونسينا ما تعرضنا له واكملنا سيرنا بعد ان اخذت القيادة من الاخ خالد.
المهم تابعنا السير وبعد الفجر بقليل كنا في وسط دمشق فاشترينا تينا من عربة على الشارع واكملنا السير الى مكتب ال 17 في دمشق حيث افطرنا مع الاخوان من قادة فتح فرع سوريا لا داعي لذكر الاسماء وفي اليوم التالي اكملنا طريقنا الى بيروت. فنزلنا جميعنا عند صديقنا نبيل عبد الرحمن المفوض السياسي في فتح ثم انتشرنا كل ذهب لقضاء مهماته.
والتقينا بعد ايام في شقة نبيل وتحدث كل منا عما يختص بالشان الفلسطيني العام، وقال الدكتور عيسى "بتعرفوا يا رفاق (الحضور مناضلين من فتح والشعبية) انا قلت للحكيم (جورج حبش رحمه الله) ان في فتح من هم جبهة شعبية اكثر من كثير من هم في الجبهة شعبية، وضحك الجميع وظنها نكتة من نكت الدكتور عيسى، ولكنه تابع قائلا بجدية وحزم " نعم نعم حدثته عن الاخوان الذين رافقتهم من بغداد الى بيروت، ولم اجد بيننا أي فروقات اطلاقا فكلنا مؤمن حتى العظم بتحرير فلسطين واقامة الدولة الديمقراطية وان الكفاح المسلح والعمل الجماهيري طريقنا.
فكان رحمة الله عليه يعتبر الوحدة الوطنية بل ووحدة الامة العربية اعز امال الامة واعظم اهدافها.
وفي كل اللقاءات اللاحقة وكان معظمها في بيروت كان يؤكد رحمه الله على الوحدة الوطنية وعلى ضرورة الانصياع لشروطها ويعتبر الخلافات بين الفصائل خلافات ثانوية وان الصراع الرئيسي هو مع العدو الصهيوني
الدكتور عيسى طبيل المناضل الفلسطيني العنيد رحل عن دنيانا في وقت تشهد فيه الوحدة الوطنية اقسى مراحلها سوادا، الوطن منقسم جغرافيا وسياسيا والعدو ما زال يرزح على صدور شعبنا، والاخ يقتل اخاه ويعتقله ويعذبه ويكفره ويرميه باشد التهم واقذعها.
رحل عنا الدكتور عيسى طبيل في هذه المرحلة القاسية وكم نحن باشد الحاجة لمثله من المناضلين الذين يميزون بين الصراع الثانوي والصراع الرئيسي
فرحمة الله عليك دكتور عيسى ، فقد كنت مدرسة في الاخلاق والشهامة والعطاء، وكنت معلما في الوطنية والفداء والانتماء، وكنت استاذا في فن التعامل مع من يخالفك الراي، وكن على ثقة بان الكثير جدا من اتباع مدرستك ما زالوا يملؤا الساحات والميادين وفي كل التنظيمات الا من لم يكن اصلا من مدرسة الشعب ومدرسة الثورة.
ونعاهدك على ان نبقى اوفياء للثورة بكل فصائلها فتح وشعبية وديمقراطية ونضال وعربية وفلسطينية، مؤمنين بمواصلة النضال حتى تحرير فلسطين واقامة دولتنا المستقلة